هل الاستيطان عقبة في وجه المفاوضات؟؟؟؟؟؟؟؟؟

سعت الحركة الصهيونية منذ نشأتها الفكرية في مطابقة معتقداتها الإيديولوجية وتجسيدها على أرض الواقع عبر إنشاء تجمعات استيطانية بدأت ملامحها مع نهاية القرن التاسع عشر في فلسطين. إذ لا يمكن فصل المنظومة الفكرية للحركة الصهيونية عن تمثلاتها الواقعية وترجمتها لحلم الدولة اليهودية الذي عبّرت عنه من خلال غزو الأرض العربية في فلسطين واستباحتها لإقامة تلك "الثكنات" الاستيطانية.

وعلى هذا المنوال حاكت الحركة الصهيونية مسيرتها وطوت بذلك أحلامها من خلال تفعيل تلك الأحلام في مشاريع واقعية على الأرض،فبعد قيام الدولة العبرية تولت الحركة الصهيونية العالمية - عبر الصندوق القومي - تمويل وتنفيذ المشاريع الاستيطانية في الأراضي والقرى والمدن الفلسطينية التي هجر أهلها منها في نكبة العام 1948،وتبادلت الدولة الإسرائيلية والحركة الصهيونية الأدوار في الحفاظ على ديمومة المشروع الاستيطاني حتى جاءت نكسة حزيران(يونيو)1967،حيث أخذ التوغل الاستيطاني أعلى درجات التوسع من خلال السيطرة والاستيلاء على جزء كبير من أراضي الضفة الفلسطينية وقطاع غزة والقدس وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء،فكانت المشاريع الاستيطانية تعبيراً حيويا عن الفكرة الدينية، والنزعة القومية وتمثلاتها السياسية، لأن الاستيطان بالنسبة لصناع القرار السياسي والأمني الإسرائيلي يمثل جوهر وجودهم على الأرض، وبالتالي التذرع بفرض وقائع واملاءات احتلالية تعتقد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بأنها تستطيع من خلالها فرض هذا الأمر كحقيقة ثابتة بالنسبة للطرف العربي.

وبالرغم من أن المسار الاستيطاني الذي انطلق منذ أكثر من قرن من الزمن قد سعى منذ البداية إلى طمس هوية الطرف الآخر،إلا أن هذا المسار نفسه قد تعرض لهزات كبيرة.فالآباء الروحانيون للاستيطان المتمثلين في اليمين الإسرائيلي وعلى رأسهم آرئيل شارون قد عملوا على تدمير المستوطنات التي أقاموها في سيناء أثناء انسحابهم منها وكذلك الأمر بالنسبة للمستوطنات في قطاع غزة والتي كان شارون يؤكد قبل عام من انسحابه منها أن مستوطنة «نتساريم» في غزة بمثابة القدس لإسرائيل. وعلى الأرجح فإن هذه إشارة على أن الحراك السياسي لدى صانعي القرار في إسرائيل يسبق أي تصور إيديولوجي أو عقائدي وحتى الحاخامات اليهود أفتوا بجواز إخلاء المستوطنات في غزة على قاعدة أن الدم اليهودي وحرمته أغلى قيمة من المستوطنات.وهذه المقولة تؤكد أيضا على إمكانية خضوع المستوطنات في الضفة والجولان لذات المعيار وذات المنظومة.

ومن الممكن أن نستنتج أن الدافع الأساسي من خطة الانسحاب الأحادي الجانب من غزة التي نفذها آرئيل شارون بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية كان هو التخلص من أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين مع أقل قدر ممكن من الأرض.بمعنى آخر الإقرار الضمني بأنه لا يمكن الاحتفاظ بالفلسطينيين كسكان من دون أن تكون لهم حقوق على الأرض.ولتدعيم هذه الدوافع برزت أصوات إسرائيلية تنادي بإقامة الدولة الفلسطينية لأنها ستشكل بالضرورة مصلحة إسرائيلية.وبالرغم من ذلك فإن حجم التنافس بين القيادات الإسرائيلية يقف حائلا دون تحقيق ذلك حيث لازالت حمى الاصطراع السياسي بينهم تستعر باتجاه تحقيق مكاسب من خلال استغلال منطق القوة.ولهذا فإن هذه العقلية الصهيونية الاقصائية لا ترى ضيرا في أن تطرح قضايا شائكة ومعقدة من قبيل وجوب اعتراف الفلسطينيين ب"يهودية الدولة"،أو السعي لتكبيل الدولة الفلسطينية العتيدة بشروط لا قبل لها فيها لكي تجعل منها في نهاية المطاف " دولة كانتونات".وبالإضافة إلى هذا كله فإن المسار الاستيطاني تقف أمامه عقبات موضوعية تحول دون استمراره في بعض الأحيان كالكلفة المادية العالية وتراجع أعداد المهاجرين القادمين إلى الكيان الإسرائيلي والذي يشكل للنخبة السياسية الإسرائيلية كابوساً محدقاً. فأعداد المهاجرين إلى إسرائيل في العام الماضي لم يتجاوز 14 ألف مهاجر مع زيادة سكانية لا تتجاوز 1.2%بمقابل زيادة سكانية لدى فلسطيني48 تخطت2.5% بحسب النسب الصادرة عن مركز الإحصاء الإسرائيلي للعام2009.

وبالتالي فإن الحديث اليوم عن تجميد الاستيطان أو الإبقاء عليه هو حديث يأتي على الأرجح في سياق سياسي منفصل عن التصورات الإيديولوجية والعقائدية،وهذا الأمر تؤكده التصريحات المتذبذبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزرائه، لان الاستيطان ومنذ العقدين الأخيرين يخضع لمنطق (البازار) السياسي وليس أصلا ثابتا في سياسات الحكومة الإسرائيلية، وهذا ما تثبته تصريحات بعض الوزراء المتعلقة بإجراء استفتاء على الانسحاب من الجولان، وإخلاء المستوطنات مما يؤكد هذه الرؤية في التحليل، والتي تقوم على أساس أن الاستيطان في فلسطين قد وصل منذ زمن إلى ذروته ويأخذ الآن بالتوجه نحو أعادة التموضع وذلك كنتيجة طبيعية لتداعيات الإخلاء من غزة في العام2005.فإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة نجد أن الزيادة السكانية لمجمل اليهود في فلسطين التاريخية لا تتجاوز 1.2%من مجموع السكان اليهود في فلسطين والذي لا يتعدى 5.5مليون يهودي حيث تشير الإحصاءات السكانية الإسرائيلية أن تعداد اليهود لا يتجاوز65 ألف مولود سنويا.فإذا كان هذا الرقم يشمل جميع الزيادات السكانية فإنه في حسبة أخرى للنمو السكاني للمستوطنين الذين يبلغ تعدادهم نحو النصف مليون مستوطن نلحظ أن الزيادة السنوية في أوساطهم لا تتعدى الخمسة آلاف مستوطن.

فالحديث عن عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية سواء كان حديثاً واقعياً، أو مفتعلاً عبر مشاريع عملية أو مشاريع قيد الدراسة لا يشكل أكثر من تعبيرات سياسية،لأن الزيادة الطبيعية السكانية للمستوطنين والتي تحدث عنها بنيامين نتنياهو مراراً وتكراراً هي زيادة لا تتلاءم مع حجم تلك المشاريع الضخمة،ولهذا تعطي الحكومة الإسرائيلية الأولوية للاستيطان وتقدمه على عملية السلام وتتسبب بخلق أجواء ضبابية وملتبسة إقليمياً ودولياً، بهدف تشتيت الأنظار عن حقيقة الحكومة اليمينة المتطرفة في إسرائيل والتي ترفض السلام بشكل مطلق وليس لها أي مصلحة في إنهاء عملية التفاوض مع السلطة الفلسطينية معتقدة أن الوقت كفيل في تشتيت الواقع السياسي الفلسطيني وتفتيته وإدخاله في لحظة سبات عميق،وبالتالي تنتفي المطالب الفلسطينية مع مرور الوقت. ولهذا يجري الحديث عن احتمالية «تمديد جزئي للاستيطان» على قاعدة «المراحل» التي كشفت عنها وزارة الإسكان الإسرائيلية مؤخراً، وقد اعتبرتها بمثابة أسلوب جديد لبناء الاستيطان،بحيث تقرّ في كل مرة عدداً محددا من الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة الفلسطينية وذلك لتفادي الانتقادات الدولية للاستيطان.وبهذا الخصوص كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» النقاب عن «وجود أكثر من سبع عشرة ألف وحدة استيطانية في طور التخطيط، أو الإقرار، أو بانتظار التنفيذ، وهي تأتي في إطار السياسة الجديدة». وأكدت الصحيفة أن «ما مجموعه 4900 وحدة استيطانية جديدة مخطط لبنائها في القدس وباقي الضفة الغربية،اجتازت كل مراحل التصديق،وما بقي هو طرح مناقصات لبدء التنفيذ»، مشيرة إلى أن هذه المعطيات «تشمل 1300 وحدة جديدة في القدس و3600 وحدة في الضفة الغربية».

وفيما يتعلق بالجانب الفلسطيني والذي يعيش أزمة انقسام سياسي حاد ،فإنه يعيش أزمات مركبة تبدأ بالشرعية وتنتهي في عدم قدرته على شرعنة خياره السياسي في التفاوض من قبل الشعب الفلسطيني،لهذا نجد أن المفاوض الفلسطيني يلجأ إلى عملية هروب كبرى تبدأ من دوائره السياسية المتمثلة في حركة فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية مروراً بلجنة المتابعة العربية المنبثقة عن الجامعة العربية وانتهاء بالرباعية الدولية .فهذا المفاوض عندما تدخل العملية التفاوضية في مأزق سرعان ما يعود إلى ذات الدوائر الثلاث الداخلية والإقليمية والدولية ليعيش ثالوثه المقدس والمفرغ من المضمون.

فليست تحذيرات مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية اوسكار تارانكو،من أنه بقي القليل من الوقت لإخراج المفاوضات من مأزقها الحالي وتجنب اندلاع أزمة جديدة في الشرق الأوسط إلا تأكيدا على الدوران في حلقة مفرغة، حيث رأى أن «كل الجهود التي سعت لخلق ظروف مناسبة لمواصلة المفاوضات قد أصبحت في مهب الريح بعدما أعطت الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر بتاريخ(14/10/2010) لاستدراج عروض بناء 238 وحدة سكنية في مستوطنتي «راموت» و«بيسغاف زئيف» في القدس الشرقية، في مخالفة للقانون الدولي وتناقض مباشر مع جهود اللجنة الرباعية».

وعلى ما يبدو فإن الحكومة الإسرائيلية تبقى اللاعب الأقوى في معادلة تصنعها موازين القوى والعلاقات الدولية التي لا تعترف إلا بالقوي كشريك ولاعب أساسي في مسرح الأمم.

يسلمو