دولة يهودية » في بيئة آمنة مابين دولتين فلسطين ولبنان
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
دولة يهودية » في بيئة آمنة مابين دولتين فلسطين ولبنان
يشهد الوضع اللبناني مرحلة دقيقة وخطرة جداً ، تضعه بدون مبالغة على شفا فتنه تحضر تستهدف تقويض استقراره وسلمه الأهلي، وبالأخص، مقاومته التي حققت انجازات في محطتين أساسيتين في أيار 2000 وتموز 2006 تجاوزت في بعض مفاعيلها وتأثيراتها ما حققه العرب من انجازات طوال صراعهم مع العدو الصهيوني، لاسيما ما يشار إليه بآلية الردع ، حيث تراجعت المفاعيل المعنوية لقدرة الردع الإسرائيلي في الوقت الذي ازدادت فيه قدرة الردع لدى المقاومة .
لقد أرخت هذه المعادلة الجديدة بظلالها على كامل المشهد في المنطقة ، ويمكن القول إن المنطقة برمتها تتحرك منذ عام 2000 داخل إفراز ونتائج ما جرى، بعد انسحاب إسرائيل دون قيد أو شرط من جنوب لبنان، وخضوعها مرغمة للقرارات الدولية «425 و 426 ».
لعل أبلغ تعبير عمّا يجري حالياً، كان على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري في عام 2000 وغداة الاندحار الصهيوني، الذي عبر بوضوح عن خوفه من قصاص عربي للمقاومة على ما أنجزته ، إذ هي كشف بفعلتها ما سيق ويساق من خطاب عربي رسمي على مدى عقود لتبرير عجز الأنظمة، و تأكيد عبثية المقاومة، وعدم قدرتهما عن تحقيق أي شيء يذكر، لاسيما في أقله إرغام إسرائيل على تنفيذ القرارات الدولية والتي ترفض تنفيذها، وبالتالي لتبرير إستراتيجية التفاوض العبثية التي لا بديل عنها في قاموس السياسة الرسمية العربية.
لقد بدا واضحا القصاص العربي في 2006 ، حيث شُنت الحرب بغطاء أمريكي عربي ومحلي لبناني في سياق ما اصطلح على تسميته معسكر الاعتدال ، إلا أن تلك الحرب لم تنجح في تأديب «المذنب» المنتصر! حيث أفرزت معادلة جديدة في لبنان والمنطقة .
لن نضطر للدخول عميقاً في دهاليز الوضع اللبناني لرصد مجرياته، فإن ما يجري متعدد المستويات ، وبدون أدنى شك ثمة مستوى لبناني للصراع الدائر حاليا ينطلق من حسابات لبنانية بحته وتوازنات ترتبط بتركيبة لبنان الطائفية، وحسابات ومصالح القيمين على هذه الطوائف ولكنها تبقى منضبطة إن لم تتقاطع مع مصالح تأتي في المستوى الثاني حيث للتوازنات الإقليمية رؤاها وحساباتها ومصالحها وفي سياق صيغة معسكًري الاعتدال والممانعة، وإستراتيجية التفاوض، والتطبيع مع العدو الصهيوني في سياق المشروع الأمريكي للمنطقة ، ولعبة النفوذ والمصالح فيها، في ظل ضعف الدور المصري وبروز قوى إقليمية مثل إيران، وتركيا، ومحدودية الدور السعودي الذي تحول تدريجيا بعد حرب تموز وصولاً إلى قمتي قطر و الكويت إلى موقع الوسط بين الممانعة والاعتدال في محاولة لتحقيق تسويات إقليمية في العراق، ولبنان، وفلسطين بهدف الحد من النفوذ الإيراني، بصيغة اقل الخسائر الممكنة ، متقاطعاً في ذلك مع المستوى الثالث على المسرح الدولي، في ظل إدارة أمريكية تنتهج نفس الأسلوب لحل مشكلاتها الموروثة عن عهد إدارة بوش في المنطقة ، في العراق وأفغانستان والملف الإيراني، وأيضاً على مسار التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي والتي تشمل ملف اللاجئين كموضوع مهم يأتي في نطاق الاهتمام الأمريكي.
وبناء على ما تقدم فإن خطورة الوضع في لبنان يستمد منطقه من حجم التداخل في مستويات الصراع الدائر حاليا وتشابكاته المحلية والإقليمية والدولية ، وما اغتيال الرئيس رفيق الحريري كشخصية بهذا الحجم، إلا مؤشر على مستوى القرار المُتخذ وفي أقله إحداث هزة عنيفة في لبنان، والذي من المستحيل أن يكون محليا أيا كانت الجهة ، حيث علمتنا تجارب لبنان أن توازنات دولية هي من تقيم التسويات كما تحدث الهزات قبلا.
وكما أنه من غير المنطقي رؤية ما يجري في لبنان باعتباره صراعا ً إقليميا ً أو دولياً بحتا، فإنه من القصور النظر إليه على أنه محلياً خالصاً، وليس له أي تشعبات وتداخلات ومصالح إقليمية ودولية ومنها الصراع العربي - الصهيوني.
وفي التتمة أيضا لهذا الاغتيال فإن سياق ما اصطلح على تسميته الاتهام السياسي والذي وجه أولا لسوريا لم يكن إلا قرارا فعليا بإشعال لبنان مجدداً، فلا يوجد عاقل يفكر بأنه يمكن أن يستقر الوضع في لبنان وهو في تصادم مع سوريا، ولم تكن صدفة بريئة و عدالة دولية أن يوجه أولا الاتهام لسوريا ثم ينتقل إلى حزب لله ، في ظل مخطط سعى أولا لإخراج سوريا من لبنان للبدء في المرحلة الثانية بحصار المقاومة، وتجريمها، ومعاقبتها على أفعالها في هزيمة مكررة لإسرائيل وإقامة معادلة الردع .
ومرة جديدة وبناء على ما تقدم ليس من عاقل يفكر أن اتهام حزب الله مسألة عادية يمكن أن يمر لبنان والمنطقة منها بسلام ، وليسوا سُذجاً من يروجون دعابة فليدافع حزب الله عن نفسه أمام المحكمة الدولية !! فهل من عدالة دولية أصلا ؟؟ كي يكون من الممكن إثبات البراءة!! ثمة ملفات تعفنت بانتظار العدالة الدولية ، ونحن كلاجئين فلسطينيين إحداها.
ومن السذاجة أيضا قبول منطق الصراعات والأزمات المحلية والتي عصفت مصادفة في أفغانستان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، واليمن، والسودان، بالإضافة إلى قلاقل الخليج وغيرها هنا وهناك في مختلف أرجاء المنطقة ، بل أكثر من ذلك فإن قبول هذا المنطق هو مشاركة سلبية فيما يجري .
إن المشاركة السلبية كانت تقتضي البدء بتجويف منطق أن قضية فلسطين هي القضية المركزية ووضعها في عهدة النظام الرسمي العربي الأجوف أصلا من القضايا العربية الجدية ، كالأمن العربي، والمصير العربي، والهوية العربية ...الخ ، ليتحكم بقرارها فيسلمها بدوره لمنطق أمريكي يقضي بأن لا بديل عن التفاوض إلا التفاوض وأن طاولة المفاوضات هي المرجع، وأن لجنة المتابعة العربية هي سقف القرار الفلسطيني .
والأدهى من ذلك هو خروج الفلسطينيين أنفسهم من منطق أن فلسطين هي محور الصراع في المنطقة وقبولهم بمنطق أن هذه أو تلك من النزاعات هي محلية بحتة ولا تشترك أو تتشابك في ذهن صناع القرار الدولي على مستوى ما، لتدور في نهاية الأمر حول قضايا النزاع الاستراتيجي العالمي وهي إسرائيل والنفط والأسواق . ولا يقبلونه إلا حين يسوقونه كمسوغ لقبول مبدأ التفاوض والدخول في التفاوض والاستمرار في التفاوض ، ثم يرفض إذا كان مسوغا لرؤية ترى الصراع في المنطقة قومياً على هويتها وخيراتها، وبالتالي الاستفادة والاتكاء على كل عوامل القوة فيها لصياغة هذه الرؤية والانطلاق منها في مقاربة كل الملفات .
فقوة الفلسطيني في خلق شبكه من التقاطعات مع مختلف الملفات المطروحة في المنطقة وإعطائها البعد القومي ترتبط بقضية فلسطين كقضية مركزية للعرب جميعا وليس الانسحاب والانكفاء لتصبح القضية المركزية نزاعاً حدودياً محلياً .
الصمت الفلسطيني عمّا يجري، يعني الموافقة على أن المسالة الفلسطينية مجرد مشكلة حدود بين الدولتين، الفلسطينية المفترضة والإسرائيلية القائمة، وهي تتعلق بالأمن والحدود واللاجئين ، فهم على استعداد لبحثها جميعا و على استعداد لمنح الضمانات المطلوبة لإسرائيل والولايات المتحدة مقابل إعطائهم دولة على حدود 67 ولو أقل بقليل،أو في تبادل أراض وهكذا تنتهي المشكلة !!
من قِبَل بهذا المنطق، وأوهم نفسه بأن قضية فلسطين - فعلا - هي قضية حدود يمكن حلها بدون كلفة باهظة من الحروب ، يخضع نفسه لمنطق غربي يرفض اعتبار أن هذه المنطقة أمة، وبالتالي ليست لها قضية أصلا، هل تخلينا عن مقولة :أن الصراع يجري على طبيعة المنطقة، وتركيبتها، هل هي مذهبية أم أثنية، أو هوية قومية، وهل نسينا أن البيئة الآمنة «للدولة اليهودية» هي في محيط من الدويلات المذهبية؟ وفقا لهذا المنطق وينبغي الاعتذار إذن لأن الكيان الصهيوني هو فعلا كان قضية محقة ليهود العالم أصحاب الحق التاريخي، و يريدون تقرير مصيرهم والعيش بأمان مع جيرانهم جراء الاضطهاد الذي لاقوه في العالم !! ، وليسوا مشروعا امبرياليا استعماريا وإن هذه مجرد لغة خشبية بائدة.
إن رؤية المشهد اللبناني يجب أن تكون انطلاقاً ممّا تقدم ، فنحن أمام لحظة تاريخية متعددة الإبعاد ، وأمام مسؤولية تاريخية تحتم علينا اتخاذ موقف يضع الأمور في نصابها الصحيح وذلك انطلاقا من موقف سياسي مهم للغاية كنا قد اتخذناه ويقوم على أن يبقى الفلسطيني خارج التجاذب اللبناني.
لقد اتخذ ذاك الموقف الشهير والصحيح برأيي « الفلسطيني خارج التجاذب اللبناني » على أساس أن ثمة حراك في كل بلد ينطلق من طبيعة تركيبته الداخلية لكل بلد ، وهو حراك منضبط لقواعد لعبة يعرفها اللاعبون الداخليون والخارجيون ، وعلينا كضيوف أن نقف خارج هذه اللعبة بل احترام قواعدها طالما هي ضمن المستوى الأول، ولكن السؤال المطروح الآن وارتباطا بما تقدم أعلاه ، هل تجاوز الحراك الداخلي المستوى الأول ؟؟ وهل بدأت مفاعيل المستوى الثاني والثالث بالظهور ؟؟ بما يعني أن ثمة قراراً دولياً اتخذ بهزة عنيفة تضرب لبنان ، وهو ما جاء على لسان سليمان فرنجية مؤخراً، وهو ما تؤشر له المحطات التي يمر بها البلد منذ الاغتيال .
القول بـ «هزة عنيفة قد تضرب لبنان»، يعني أن صيغة جديدة تُحضَّر للبنان، صيغة تتناسب والرؤية الجديدة للمنطقة وتناسب صانع القرار الدولي وصاحب المصالح الإستراتيجية في المنطقة .
إن الموقف التاريخي المسؤول المفروض على القوى الفلسطينية اتخاذه ليس الدخول في الصراع الدائر بل إخراج الصراع الدائر من كليشيهات الخطاب المذهبي والذي أول ما يستهدف الفلسطيني في لبنان والقضية الفلسطينية في المنطقة ، حيث مذهبة الصراع في المنطقة يعني تفكيكها وتركيبها مذهبيا وإنهاء الصراع العربي الصهيوني ، فيما مذهبة الصراع في لبنان تستهدف تصفية قضية اللاجئين.
إن المسؤولية تقتضي تقديم خطاب يعيد الأمور إلى منطق محورية القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع في المنطقة، ورفض النظرة المذهبية للصراع والمجزِأة له على أساس أنها خلافات مذهبية محلية، والمسؤولية تنطلق من ضرورة حماية ظهر المقاومة ، حماية منطقها في قدرتها على إنزال الهزيمة، وإقامة الردع، وتحقيق الأهداف ومنع معاقبتها في تجريمها على جريمة شنيعة لم ترتكبها.
والمسؤولية التاريخية تنطلق من الموقف ذاته « الفلسطيني خارج التجاذب الداخلي » ولكنه ليس خارج الصراع في المنطقة طالما أن الصراع يجري على إعادة رسم خارطة المنطقة والقضية الفلسطينية جوهر هذه المنطقة وإلا فان المنطقة سيعاد رسمها ولن يكون لفلسطين مكان فيها.
وتنطلق هذه المسؤولية التاريخية من ضرورة ضمان تنفيذ عملي لعدم انجرا ره أو استخدام الفلسطيني في التجاذب الداخلي من خلال مذهبته، وهذا يتطلب أكثر من موقف يعلن للتاريخ ، بل يستدعي بناء خطاب فلسطيني محشد ومعبئ لضمان عدم تحول المخيمات لبيئة حاضنة للتطرف الأصولي وقواعد ارتكاز والتي سوف تستخدم في الصراع المذهبي بمعنى أن التوطين سيبدأ مع بداية الحسبة المذهبية للفلسطينيين في أتون فتنة تنتهي كما هي العادة في لبنان بتسوية تعيد تموضع الطوائف والمذاهب يكون الفلسطيني قد تم استيعابه في الحسبة المذهبية الجديدة، ومن هنا يكون حفظ المخيم مسئولية جدية لها مدلولها في حماية قضية اللاجئين وبالتالي قطع الطريق عن أي مخطط لاحق سيأتي ليفرغ المخيم من مضمونه الوطني ورمزيته .
إن الاستخدام المذهبي للفلسطيني ليست قضية أخلاقية بل هي جزء مهم من الاستهداف الذي يطال المقاومة في لبنان ، لأنه أولا يؤشر إلى نزع صفة المقاومة عنها ضد عدو الفلسطينيين الأول، وتبهيت دور العدو الصهيوني فيما يجري، باعتبار أن الصراع مذهبي بحت، بدليل انحياز الفلسطينيين لمذهبهم وتذويبهم في محيط سني، في فتنة قد تستمر سنوات تكون قضية اللاجئين قد أفْلتْ أيضا في أتون تلك الحرب المذهبية.
هكذا يمكن رؤية وفهم ما جرى ويجري في خطوط متوازية ، منذ اغتيال رفيق الحريري، ثم اتهام سوريا، ثم الانقسام الفلسطيني وبعده اتهام حزب الله وصولا إلى المفاوضات التي لن تتوقف كما يتصور البعض بسبب تجدد الاستيطان .
لقد أرخت هذه المعادلة الجديدة بظلالها على كامل المشهد في المنطقة ، ويمكن القول إن المنطقة برمتها تتحرك منذ عام 2000 داخل إفراز ونتائج ما جرى، بعد انسحاب إسرائيل دون قيد أو شرط من جنوب لبنان، وخضوعها مرغمة للقرارات الدولية «425 و 426 ».
لعل أبلغ تعبير عمّا يجري حالياً، كان على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري في عام 2000 وغداة الاندحار الصهيوني، الذي عبر بوضوح عن خوفه من قصاص عربي للمقاومة على ما أنجزته ، إذ هي كشف بفعلتها ما سيق ويساق من خطاب عربي رسمي على مدى عقود لتبرير عجز الأنظمة، و تأكيد عبثية المقاومة، وعدم قدرتهما عن تحقيق أي شيء يذكر، لاسيما في أقله إرغام إسرائيل على تنفيذ القرارات الدولية والتي ترفض تنفيذها، وبالتالي لتبرير إستراتيجية التفاوض العبثية التي لا بديل عنها في قاموس السياسة الرسمية العربية.
لقد بدا واضحا القصاص العربي في 2006 ، حيث شُنت الحرب بغطاء أمريكي عربي ومحلي لبناني في سياق ما اصطلح على تسميته معسكر الاعتدال ، إلا أن تلك الحرب لم تنجح في تأديب «المذنب» المنتصر! حيث أفرزت معادلة جديدة في لبنان والمنطقة .
لن نضطر للدخول عميقاً في دهاليز الوضع اللبناني لرصد مجرياته، فإن ما يجري متعدد المستويات ، وبدون أدنى شك ثمة مستوى لبناني للصراع الدائر حاليا ينطلق من حسابات لبنانية بحته وتوازنات ترتبط بتركيبة لبنان الطائفية، وحسابات ومصالح القيمين على هذه الطوائف ولكنها تبقى منضبطة إن لم تتقاطع مع مصالح تأتي في المستوى الثاني حيث للتوازنات الإقليمية رؤاها وحساباتها ومصالحها وفي سياق صيغة معسكًري الاعتدال والممانعة، وإستراتيجية التفاوض، والتطبيع مع العدو الصهيوني في سياق المشروع الأمريكي للمنطقة ، ولعبة النفوذ والمصالح فيها، في ظل ضعف الدور المصري وبروز قوى إقليمية مثل إيران، وتركيا، ومحدودية الدور السعودي الذي تحول تدريجيا بعد حرب تموز وصولاً إلى قمتي قطر و الكويت إلى موقع الوسط بين الممانعة والاعتدال في محاولة لتحقيق تسويات إقليمية في العراق، ولبنان، وفلسطين بهدف الحد من النفوذ الإيراني، بصيغة اقل الخسائر الممكنة ، متقاطعاً في ذلك مع المستوى الثالث على المسرح الدولي، في ظل إدارة أمريكية تنتهج نفس الأسلوب لحل مشكلاتها الموروثة عن عهد إدارة بوش في المنطقة ، في العراق وأفغانستان والملف الإيراني، وأيضاً على مسار التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي والتي تشمل ملف اللاجئين كموضوع مهم يأتي في نطاق الاهتمام الأمريكي.
وبناء على ما تقدم فإن خطورة الوضع في لبنان يستمد منطقه من حجم التداخل في مستويات الصراع الدائر حاليا وتشابكاته المحلية والإقليمية والدولية ، وما اغتيال الرئيس رفيق الحريري كشخصية بهذا الحجم، إلا مؤشر على مستوى القرار المُتخذ وفي أقله إحداث هزة عنيفة في لبنان، والذي من المستحيل أن يكون محليا أيا كانت الجهة ، حيث علمتنا تجارب لبنان أن توازنات دولية هي من تقيم التسويات كما تحدث الهزات قبلا.
وكما أنه من غير المنطقي رؤية ما يجري في لبنان باعتباره صراعا ً إقليميا ً أو دولياً بحتا، فإنه من القصور النظر إليه على أنه محلياً خالصاً، وليس له أي تشعبات وتداخلات ومصالح إقليمية ودولية ومنها الصراع العربي - الصهيوني.
وفي التتمة أيضا لهذا الاغتيال فإن سياق ما اصطلح على تسميته الاتهام السياسي والذي وجه أولا لسوريا لم يكن إلا قرارا فعليا بإشعال لبنان مجدداً، فلا يوجد عاقل يفكر بأنه يمكن أن يستقر الوضع في لبنان وهو في تصادم مع سوريا، ولم تكن صدفة بريئة و عدالة دولية أن يوجه أولا الاتهام لسوريا ثم ينتقل إلى حزب لله ، في ظل مخطط سعى أولا لإخراج سوريا من لبنان للبدء في المرحلة الثانية بحصار المقاومة، وتجريمها، ومعاقبتها على أفعالها في هزيمة مكررة لإسرائيل وإقامة معادلة الردع .
ومرة جديدة وبناء على ما تقدم ليس من عاقل يفكر أن اتهام حزب الله مسألة عادية يمكن أن يمر لبنان والمنطقة منها بسلام ، وليسوا سُذجاً من يروجون دعابة فليدافع حزب الله عن نفسه أمام المحكمة الدولية !! فهل من عدالة دولية أصلا ؟؟ كي يكون من الممكن إثبات البراءة!! ثمة ملفات تعفنت بانتظار العدالة الدولية ، ونحن كلاجئين فلسطينيين إحداها.
ومن السذاجة أيضا قبول منطق الصراعات والأزمات المحلية والتي عصفت مصادفة في أفغانستان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، واليمن، والسودان، بالإضافة إلى قلاقل الخليج وغيرها هنا وهناك في مختلف أرجاء المنطقة ، بل أكثر من ذلك فإن قبول هذا المنطق هو مشاركة سلبية فيما يجري .
إن المشاركة السلبية كانت تقتضي البدء بتجويف منطق أن قضية فلسطين هي القضية المركزية ووضعها في عهدة النظام الرسمي العربي الأجوف أصلا من القضايا العربية الجدية ، كالأمن العربي، والمصير العربي، والهوية العربية ...الخ ، ليتحكم بقرارها فيسلمها بدوره لمنطق أمريكي يقضي بأن لا بديل عن التفاوض إلا التفاوض وأن طاولة المفاوضات هي المرجع، وأن لجنة المتابعة العربية هي سقف القرار الفلسطيني .
والأدهى من ذلك هو خروج الفلسطينيين أنفسهم من منطق أن فلسطين هي محور الصراع في المنطقة وقبولهم بمنطق أن هذه أو تلك من النزاعات هي محلية بحتة ولا تشترك أو تتشابك في ذهن صناع القرار الدولي على مستوى ما، لتدور في نهاية الأمر حول قضايا النزاع الاستراتيجي العالمي وهي إسرائيل والنفط والأسواق . ولا يقبلونه إلا حين يسوقونه كمسوغ لقبول مبدأ التفاوض والدخول في التفاوض والاستمرار في التفاوض ، ثم يرفض إذا كان مسوغا لرؤية ترى الصراع في المنطقة قومياً على هويتها وخيراتها، وبالتالي الاستفادة والاتكاء على كل عوامل القوة فيها لصياغة هذه الرؤية والانطلاق منها في مقاربة كل الملفات .
فقوة الفلسطيني في خلق شبكه من التقاطعات مع مختلف الملفات المطروحة في المنطقة وإعطائها البعد القومي ترتبط بقضية فلسطين كقضية مركزية للعرب جميعا وليس الانسحاب والانكفاء لتصبح القضية المركزية نزاعاً حدودياً محلياً .
الصمت الفلسطيني عمّا يجري، يعني الموافقة على أن المسالة الفلسطينية مجرد مشكلة حدود بين الدولتين، الفلسطينية المفترضة والإسرائيلية القائمة، وهي تتعلق بالأمن والحدود واللاجئين ، فهم على استعداد لبحثها جميعا و على استعداد لمنح الضمانات المطلوبة لإسرائيل والولايات المتحدة مقابل إعطائهم دولة على حدود 67 ولو أقل بقليل،أو في تبادل أراض وهكذا تنتهي المشكلة !!
من قِبَل بهذا المنطق، وأوهم نفسه بأن قضية فلسطين - فعلا - هي قضية حدود يمكن حلها بدون كلفة باهظة من الحروب ، يخضع نفسه لمنطق غربي يرفض اعتبار أن هذه المنطقة أمة، وبالتالي ليست لها قضية أصلا، هل تخلينا عن مقولة :أن الصراع يجري على طبيعة المنطقة، وتركيبتها، هل هي مذهبية أم أثنية، أو هوية قومية، وهل نسينا أن البيئة الآمنة «للدولة اليهودية» هي في محيط من الدويلات المذهبية؟ وفقا لهذا المنطق وينبغي الاعتذار إذن لأن الكيان الصهيوني هو فعلا كان قضية محقة ليهود العالم أصحاب الحق التاريخي، و يريدون تقرير مصيرهم والعيش بأمان مع جيرانهم جراء الاضطهاد الذي لاقوه في العالم !! ، وليسوا مشروعا امبرياليا استعماريا وإن هذه مجرد لغة خشبية بائدة.
إن رؤية المشهد اللبناني يجب أن تكون انطلاقاً ممّا تقدم ، فنحن أمام لحظة تاريخية متعددة الإبعاد ، وأمام مسؤولية تاريخية تحتم علينا اتخاذ موقف يضع الأمور في نصابها الصحيح وذلك انطلاقا من موقف سياسي مهم للغاية كنا قد اتخذناه ويقوم على أن يبقى الفلسطيني خارج التجاذب اللبناني.
لقد اتخذ ذاك الموقف الشهير والصحيح برأيي « الفلسطيني خارج التجاذب اللبناني » على أساس أن ثمة حراك في كل بلد ينطلق من طبيعة تركيبته الداخلية لكل بلد ، وهو حراك منضبط لقواعد لعبة يعرفها اللاعبون الداخليون والخارجيون ، وعلينا كضيوف أن نقف خارج هذه اللعبة بل احترام قواعدها طالما هي ضمن المستوى الأول، ولكن السؤال المطروح الآن وارتباطا بما تقدم أعلاه ، هل تجاوز الحراك الداخلي المستوى الأول ؟؟ وهل بدأت مفاعيل المستوى الثاني والثالث بالظهور ؟؟ بما يعني أن ثمة قراراً دولياً اتخذ بهزة عنيفة تضرب لبنان ، وهو ما جاء على لسان سليمان فرنجية مؤخراً، وهو ما تؤشر له المحطات التي يمر بها البلد منذ الاغتيال .
القول بـ «هزة عنيفة قد تضرب لبنان»، يعني أن صيغة جديدة تُحضَّر للبنان، صيغة تتناسب والرؤية الجديدة للمنطقة وتناسب صانع القرار الدولي وصاحب المصالح الإستراتيجية في المنطقة .
إن الموقف التاريخي المسؤول المفروض على القوى الفلسطينية اتخاذه ليس الدخول في الصراع الدائر بل إخراج الصراع الدائر من كليشيهات الخطاب المذهبي والذي أول ما يستهدف الفلسطيني في لبنان والقضية الفلسطينية في المنطقة ، حيث مذهبة الصراع في المنطقة يعني تفكيكها وتركيبها مذهبيا وإنهاء الصراع العربي الصهيوني ، فيما مذهبة الصراع في لبنان تستهدف تصفية قضية اللاجئين.
إن المسؤولية تقتضي تقديم خطاب يعيد الأمور إلى منطق محورية القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع في المنطقة، ورفض النظرة المذهبية للصراع والمجزِأة له على أساس أنها خلافات مذهبية محلية، والمسؤولية تنطلق من ضرورة حماية ظهر المقاومة ، حماية منطقها في قدرتها على إنزال الهزيمة، وإقامة الردع، وتحقيق الأهداف ومنع معاقبتها في تجريمها على جريمة شنيعة لم ترتكبها.
والمسؤولية التاريخية تنطلق من الموقف ذاته « الفلسطيني خارج التجاذب الداخلي » ولكنه ليس خارج الصراع في المنطقة طالما أن الصراع يجري على إعادة رسم خارطة المنطقة والقضية الفلسطينية جوهر هذه المنطقة وإلا فان المنطقة سيعاد رسمها ولن يكون لفلسطين مكان فيها.
وتنطلق هذه المسؤولية التاريخية من ضرورة ضمان تنفيذ عملي لعدم انجرا ره أو استخدام الفلسطيني في التجاذب الداخلي من خلال مذهبته، وهذا يتطلب أكثر من موقف يعلن للتاريخ ، بل يستدعي بناء خطاب فلسطيني محشد ومعبئ لضمان عدم تحول المخيمات لبيئة حاضنة للتطرف الأصولي وقواعد ارتكاز والتي سوف تستخدم في الصراع المذهبي بمعنى أن التوطين سيبدأ مع بداية الحسبة المذهبية للفلسطينيين في أتون فتنة تنتهي كما هي العادة في لبنان بتسوية تعيد تموضع الطوائف والمذاهب يكون الفلسطيني قد تم استيعابه في الحسبة المذهبية الجديدة، ومن هنا يكون حفظ المخيم مسئولية جدية لها مدلولها في حماية قضية اللاجئين وبالتالي قطع الطريق عن أي مخطط لاحق سيأتي ليفرغ المخيم من مضمونه الوطني ورمزيته .
إن الاستخدام المذهبي للفلسطيني ليست قضية أخلاقية بل هي جزء مهم من الاستهداف الذي يطال المقاومة في لبنان ، لأنه أولا يؤشر إلى نزع صفة المقاومة عنها ضد عدو الفلسطينيين الأول، وتبهيت دور العدو الصهيوني فيما يجري، باعتبار أن الصراع مذهبي بحت، بدليل انحياز الفلسطينيين لمذهبهم وتذويبهم في محيط سني، في فتنة قد تستمر سنوات تكون قضية اللاجئين قد أفْلتْ أيضا في أتون تلك الحرب المذهبية.
هكذا يمكن رؤية وفهم ما جرى ويجري في خطوط متوازية ، منذ اغتيال رفيق الحريري، ثم اتهام سوريا، ثم الانقسام الفلسطيني وبعده اتهام حزب الله وصولا إلى المفاوضات التي لن تتوقف كما يتصور البعض بسبب تجدد الاستيطان .
مؤيد- مشرف
- عدد الرسائل : 931
العمر : 35
السٌّمعَة : 0
نقاط : 180562
تاريخ التسجيل : 24/08/2008
مواضيع مماثلة
» لحزن دولة لا يعش فيه سوى دمووووووع n
» ابتسم ... انت تعيش في دولة عربية
» معلومات قيمة عن دولة تونس مرفقة بالصور
» أنا أسف يا فلسطين...
» فلسطين
» ابتسم ... انت تعيش في دولة عربية
» معلومات قيمة عن دولة تونس مرفقة بالصور
» أنا أسف يا فلسطين...
» فلسطين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
21/07/22, 05:59 am من طرف نسيم الفجر
» سيرياتوك |syriatalk| بديل |syriamoon|سيرياتالك syriatalk.red
04/02/17, 10:16 pm من طرف سيرياتوك
» صور من غزه من تصويري رقم 7
08/01/17, 07:15 am من طرف نسيم الفجر
» Building-Operational-Excellence-in-the-Process-Industry
31/07/16, 11:42 am من طرف مركز التدريب
» Supply-Chain:-Concept,-Solution-&-Application
27/07/16, 01:35 pm من طرف مركز التدريب
» Planning-and-Managing-PR-Campaigns-MBA
19/07/16, 10:06 am من طرف مركز التدريب
» Business-Brain-Train-The-Whole-Brain-Approach-To-Business-Ef
18/07/16, 01:21 pm من طرف مركز التدريب
» مدراء المكاتب والسكرتارية التنفيذية باستخدام الحاسوب
17/07/16, 11:47 am من طرف مركز التدريب
» استخدام التحليل الرباعي في الادارة الاستراتيجية
16/07/16, 12:34 pm من طرف مركز التدريب
» تطوير وتنمية مهارات التنسيق الإداري
13/07/16, 12:15 pm من طرف مركز التدريب
» Supply_Chain:_Concept,_Solution_&_Application
05/07/16, 11:20 am من طرف مركز التدريب
» Building_Operational_Excellence_in_the_Process_Industry
03/07/16, 10:42 am من طرف مركز التدريب
» Effective_Project_Management
02/07/16, 11:25 am من طرف مركز التدريب
» Supporting and Troubleshooting Windows 10
26/06/16, 01:10 pm من طرف مركز التدريب
» دورات تدريبية لعام 2016 مقدمة من مركز الجودة لاوروبية
22/06/16, 12:05 pm من طرف مركز التدريب