شيطان يتظلم

من طرف زهرة الربيع 18/06/10, 07:40 am

شيطان يتظلم

تعرض شيطان اسمه (أخضر عش ) يوما لمتصوف جاهل يتعاطي الوعظ فقال له : لماذا لا تتعلم الدين فتنشر سيرة العلماء وتنشر في الناس الحلال والحرام وتفتيهم في شؤون دينهم عن هدي وبصيرة؟
قال المتصوف : اغرب عليك لعنة الله أتظن أني أخدع بك ؟ لو كان من طبيعتك النصح لما كنت شيطانا إنما تريد بدعوتي للعلم أن أتصرف عن ذكر الله لا أفعل
قال الشيطان: فهل لك في كلمة حق عند سلطان جائر فيكون لك أجر المجاهدين ؟
قال المتصوف : اخسأ عليك غضب الله أتريد أن تعرضني لعداوتهم فأسجن أوجارب فيحرم الناس من وعظي وإرشادي ؟
قال الشيطان : أما لا هذه ولا تلك فلماذا لا تجمع المال لتحفظ به كرامتك وتدخره لفقير محتاج أو مريد منقطع أو جامع يبني أو خير تسهم فيه؟
قال المتصوف متلمظا: أما هذه فنعم قاتلك الله فأين أجد المال ؟
قال الشيطان : ما رأيت والله أحمق منك ألا تري إلأي مريديك تحفظ لهم آخرتهم أفلا يحفظون لك دنياك ؟ وتعمر لهم قلوبهم أفلا يعمرون لك جيبك ؟ وتحيي لهم أرواحهم أفلا يحيون لك بيتك؟
ومد المتصوف الجاهل يده إلي جيوب مريديه فأفرغها في جيبه وكانت من الكثرة بحيث تفيض عن حاجة يومه وغده وكان من الكذب في دينه بحيث لا يفكر في إنفاقها في سبيل الله فحار ماذا يصنع بها فاستشار الشيطان فقال له : إنك إن أبقيت المال في خزانتك لم تأمن عليه من لص ينتهبه أو جائحة تذهب به أو ولد صالح (يلطشه ) فأين أنت من شراء الأراضي والمزارع؟
فقال المتصوف : قاتلك الله لقد نصحتني . واقتني الضياع واحدة بعد الاخري ولكن أمره انكشف بين الناس وماله المجموع من السحت و(النصب ) والتسول مازال يتزايد بعد يوم فلجا إلي صديقه الشيطان يستشيره فقال له وأين أنت من شراء السيارات وبناء الدور وعمارة القصور؟
قال المتصرف : ولكني أخشي أن افتضح أيضا .
قال الشيطان : لا أصلحك الله ! أتعجز عن تسليمها باسم زوجتك وأولادك وهم كثيرون ؟
وفعل المتصرف ذلك غير أن المال يتدفق علي جيب الشيخ الجاهل والواعظ وأخذ يفتش عن أستاذه الشيطان ليستشيره فيما يفعل .
ولكن أستاذه كان قد غاظه من تلميذه مزاحمته له في مهنته الخداع ووسوسة الشر قرر الدعوة إلي مؤتمر عادي للشياطين ليرفع إليهم أمر هذا التلميذ المزاحم
وانعقد المؤتمر برئاسة إبليس ووقف الشيطان قصته ويقول :
لقد كان المدعي عليه إنسانا جاهلا فمسحته ببراعتي وكيدي إلي شيطان ذكي , وكنت أنتظر منه أن يعرف لي فضلا فلا يزاحمني في (منطقتي) ولكنه أخذ يسلك لإغوائهم مزاحمة خشيت منها علي زبائني من التحول جميعهم ؟إليه فقد أخذ يسلك لإغوائهم من الطرق ما لا أعرف فاجتذب من الزبائن مالم أكن أطمع في تعاملهم معي .
لقد كنت أغوي الناس بالخمرة والمرأة واللذة والقمار والثروة وغير ذلك فلم يستمع إلي من بغضت إليه هذه اللذائذ كلها أما هذا التلميذ العاق فقد أخذ يخدع الناس وعلمائه وأنتم تعلمون يا حضرات الزملاء أن ميزة زبائننا الغفلة مع شيء من الذكاء !..... فما يكاد الواحد منهم يتعامل معنا قليلا حتي يهديه ذكاؤه إلي خبثا وسوء طريتنا فيتركنا أما هذا التلميذ المخادع فقد استطاع أن يخبل عقوله زبائنه بالترهات والخرافات ليتمكن بذلك من استثمارهم فترة أطول مما نستثمر بها زبائننا .
فأنا أسألكم باسم حرمة المهنة ويحق المهنة وبحق غضب الله علينا أن تفصلوا في أمره بما توحي به ضمائركم النجسة !.
ونهض الشيطان ليدافع عن نفسه فقال :
بعد أن شرفني رئيسا بالدخول إلي (حظيرة دنسة) وما تنكرت يوما لفضل أستاذي
(أخضر عش ) علي وجدته بعد التجربة قليل الحيلة ضعيف الذكاء واعلموا أن أحدنا كلما كان أبرع في اقتناص الفريسة والفرصة كان أقرب إلي نفس رئيسا إبليس أخزانا الله وإياته ولقد استطعت بوسائل الخداع التي ألهمتها من (حظيرة الدنس) أن أجتذب من الزبائن في محيط أستاذي في سنوات ما لم يستطع أن يجتذبه في مئات السنين .
إننا حضرات الزملاء الملعونين في عصر استيقظت فيه روح الدين والهداية في نفوس الناس فيجب أن نطور وسائل الضلال والغواية بما يتفق مع هذا التطور الخطير وإذا ظللنا علي أساليبنا القديمة فيسخر رئيسا إبليس أخزانا الله وإياه عرشه ومملكته
ولا يخفي عليكم أن وسيلتي التي أتبعها نفرت كثيرا من الدين بما ألصقه به من خرافات وأباطيل وما اتبعته مع الناس من كذب واحتيال وتدجيل وكان من نتيجة ذلك أن تشك كثيرا من الناس بحقائق الدين الصافية ودعاته الصادقين وعلمائه المخلصين مما جعلهم مهيئين ليكونوا من فرائس أستاذي وزبائنه
كما أن هؤلاء ياحضرات الزملاء الملعونين أنني أستحق شكر أستاذي لو كان مخلصا لمهنته لكن أنانية وطمعه واستئثاره جعلته يستعيدكم علي واخشي أن يكون أستاذي قد أصابته عدوي الهداية فقلت فيه روح الشيطنة وخبثها فلم يعد يصلح للمهنة ؟أما أنا فأضل أخاكم المخلص وزميلكم النجيب !
وهنا تداول المؤتمرون القضية من جميع نواحيها ثم أعلن إبليس قرار المؤتمر التالي:
لما كان الثابت من وقائع الدعوي وباعتراف المدعي (أخضر عش) بأن المدعي عليه قد أصبح بارعا في مهنته الشيطنة خبيرا بأساليب الضلالة والإغواء .
ولما كان الثابت من وقائع الدعوي وباعتراف المدعي أيضا أن زبائننا قد تضاعفوا بفضل المدعي عليه أضعافا مضاعفة عما كانوا عليه في عهد المدعي
ولما كانت المادة الأولي من دستورنا وهي التي تقول : " كل من استطاع الإغواء والإضلال يعتبر شيطانا " تنطبق علي المدعي عليه تماما
ولما كانت المادة الخامسة من هذا الدستور قد نصت علي الشروط المطلوبة من التلميذ لمنحه لقب "أستاذ"
ولما كانت روح الشر المتأصلة فينا تقتضينا أن نعمل جاهدين لنشر الضلالة والفساد بين بني الإنسان وأن نفرح لذلك ونشجع عليه .
ولما كان من الثابت أن المدعي عليه قد استطاع بفضل وسائله المبتكرة المتطورة أن يزيد في عدد ضحايانا وأن ينشر نفوذنا انتشارا واسعا .
لهذا كله قرر المؤتمر منح لقب "أستاذ" للمدعي عليه , لتكريس أستاذيته في محفل الشيطان الأعظم , ونقش اسمه في عداد شياطين الإنس الخالدين
حكما وجاهيا قابلا للاستئناف ..